ما هي الدلالات الاقتصادية للتطورات في أسواق السندات الأمريكية؟

الاثنين 09 مايو 2022 | 11:58 صباحاً
بنك QNB الأهلي
بنك QNB الأهلي

أصدرت مجموعة QNB تحليلًا اقتصاديًا أشارت فيه إلى أن الاقتصاد الأمريكي يشهد تسارعاً في الأداء، وتشير تقلبات الأسواق إلى تغيرات سريعة وتحولات غير متوقعة. إن عملية إنعاش الاقتصاد من التداعيات الكبيرة للجائحة (2020-2021)، والتي تشير إلى التعافي الاقتصادي المدفوع بتدابير التحفيز التي أنقذت الاقتصاد الأمريكي من التراجع الحاد، دخلت التاريخ باعتبارها من أكبر الأحداث على مستوى الاقتصاد الكلي على الإطلاق.

وأوضح التقرير أنه بعد التراجع الحاد في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بسبب الجائحة في الربع الثاني من عام 2020، انتعشت معدلات النمو بقوة، ومكّنت الاقتصاد من تجاوز الاتجاه الذي كان سائداً قبل الجائحة على مدار العامين الماضيين.

وخلال هذه الفترة، شهدت الأسواق الأمريكية ارتفاعاً استثنائياً، حيث سجلت مؤشرات الأسهم أداءً قوياً، وعوضت السلع شديدة التأثر بالعوامل الدورية عن خسائرها السابقة لتحقق ارتفاعات جديدة في وقت قصير نسبياً.

وتجدر الإشارة إلى أن سندات الخزانة الأمريكية التي تتأثر بشدة بعوامل الاقتصاد الكلي أكدت هذه الخلفية الإيجابية.

انخفاض عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات

في الواقع، بعد أن أدت المخاوف من الركود والصدمة الناتجة عن كوفيد-19 إلى انخفاض عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بشكل حاد لأكثر من عام، بدأ الانتعاش الاقتصادي يعزز العائدات بشكل كبير في الفترة بين أغسطس 2020 وأبريل 2021.

وذكر التقرير أنه بعد أن استقرت العائدات لبضعة أشهر بين مايو وديسمبر 2021، ارتفعت مجدداً على خلفية تراجع المخاوف بشأن متحورات كوفيد-19 في الغرب، وتجدد المخاوف بشأن التضخم، وانتقال بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى "التشديد".

الفارق بين العائدات قصيرة الأجل وطويلة الأجل

ومع ذلك، فإن منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية، أو الفارق بين العائدات قصيرة الأجل وطويلة الأجل، يوضح تفاصيل أكثر دقة على المستوى الكلي. فخلال الفترة من أغسطس 2020 إلى أبريل 2021، ظلت عائدات السندات تشير إلى استمرار العوامل الإيجابية الداعمة للاقتصاد الأمريكي. فقد اتسع الهامش الرئيسي بين سندات الخزانة لأجل 10 سنوات وسندات الخزانة لأجل سنتين، مما أدى إلى انحدار جيد من منحنى العائد. وكان ذلك دليلاً إيجابياً على حدوث توسع اقتصادي، حيث أن انخفاض العائدات قصيرة الأجل في المنحنى يعني ضمناً وجود تحفيز نقدي، بينما يشير ارتفاع عائدات السندات الأطول أجلاً إلى تعزز توقعات النمو أو التضخم. علاوةً على ذلك، ارتفعت نسبة السعر بين سندات الشركات ذات العائد المرتفع وسندات الخزانة الأمريكية، مما يشير إلى تزايد شهية المخاطرة بين مستثمري السندات أو وجود بيئة من "الإقبال على المخاطر".

أسواق السندات بدأت تتصرف بشكل مختلف بعد أبريل 2021

ولكن أسواق السندات بدأت تتصرف بشكل مختلف بعد أبريل 2021، مع استقرار منحنى العائد وتراجع الرغبة في المخاطرة. وتسارعت هذه العملية بعد اجتماعات لجنة السوق المفتوحة التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في يونيو وديسمبر 2021، عندما فاجأ بنك الاحتياطي الفيدرالي السوق بموقف أكثر "تشدداً" وتوجيهات لبدء عملية "تطبيع السياسة النقدية" بشكل أسرع.

ويرى المحليين أن هنا السندات ترسل ثلاثة رسائل حول الاقتصاد الأمريكي.

أولاً، تشير السندات إلى أن النمو في الولايات المتحدة قد بلغ ذروته بالفعل في الربع الثاني من عام 2021، بعد عدة أرباع من النشاط القوي للغاية. بعبارة أخرى، تشير أسواق السندات إلى تباطؤ كبير في التعافي الاقتصادي للولايات المتحدة، حيث من المقرر أن تعود نسب النمو إلى المعدل الطبيعي الذي يبلغ حوالي 2% سنوياً.

ثانياً، ترى سوق السندات أن الضغوط التضخمية الحالية قد تستمر على المدى المتوسط، لكنها ستتراجع على المدى الطويل، ولكن سيكون ذلك مصحوباً بانخفاض النمو. ويشير منحنى العائد المتسطح (ارتفاع معدلات العائد قصيرة المدى بشكل أسرع من المعدلات طويلة المدى) إلى أن التضخم ما هو إلا مصدر قلق على المدى المتوسط. في الواقع، ارتفعت توقعات التضخم الضمنية للسندات لأجل 10 سنوات (معدل تكافؤ التضخم) بشكل معتدل فقط بمقدار 60 نقطة أساس، لتظل تحت السيطرة نسبياً عند حوالي 3%، وذلك أقل بكثير من تضخم أسعار المستهلك الحالي البالغ 8.5% لشهر مارس 2022.

ثالثاً، تُعتبر سندات الخزانة الأمريكية بمثابة "ملاذ آمن" في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية في أوروبا وآسيا، فضلاً عن كونها أداة منخفضة المخاطر للمراهنة على اقتصاد أكثر قوة. فمع كل رفع لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، تتسع فروق أسعار الفائدة عالمياً، مما يجعل سندات الخزانة الأمريكية استثماراً أكثر أماناً من منظور المخاطر والعائدات.

ارتفاع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية

وتابع المحللين: ويؤدي هذا الأمر إلى ارتفاع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية، مما يحد من أي زيادة في عائدات سندات الخزانة الأمريكية. كما أن المدخرين في البلدان الأوروبية واليابان، حيث ظل النشاط الاقتصادي أكثر تباطؤاً وظلت أسعار الفائدة منخفضة، يزيدون مخصصاتهم لسندات الخزانة الأمريكية مع ارتفاع عائدات السندات الأمريكية بشكل أكبر. ويؤدي هذا الأمر إلى وضع سقف للعائدات طويلة الأجل.

وقال المحللون، بشكل عام، شهدت عائدات السندات الأمريكية ارتفاعاً قوياً في الأرباع الأخيرة. ومع ذلك، بدأ منحنى العائد والهوامش المرتبطة به في الاستقرار في أبريل 2021، مما يشير إلى تراجع التوقعات الاقتصادية وتوقعات التضخم في المدى الطويل، والتي تعتبر أقل من التضخم الحالي، فضلاً عن تراجع الأداء المتفوق للولايات المتحدة مقابل الاقتصادات المتقدمة الأخرى.