كلمة الدكتور جوزف طربيه رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب في منتدى بيروت الاقتصادي

الخميس 24 نوفمبر 2022 | 03:29 مساءً
جانب من المشاركة
جانب من المشاركة

القى الدكتور جوزف طربيه، رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية، كلمة خلال منتدى بيروت الاقتصادي للعام 2022، المنعقد اليوم في بيروت للفترة من 24-25-نوفمبر -2022.

وينظم اتحاد المصارف العربية برئاسة محمد الإتربي رئيس اتحاد بنوك مصر ورئيس بنك مصر، المنتدى هذا العام بعنوان " التجارب العربية في الإصلاح الاقتصادي وصـولاً الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي".

كلمة الدكتور جوزف طربية رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب

وجاءت نص الكلمة كالتالي: وذلك خلال حفل إفتتاح منتدى "بيروت الاقتصادي 2022".

دولة رئيس مجلس الوزراء، السيد نجيب ميقاتي

معالي الأستاذ محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان

سعادة الشيخ محمد جراح الصباح

أصحاب المعالي والسعادة

زملائي المصرفيين القادمين من لبنان ومن مختلف أرجاء العالم العربي

أيها الحضور الكريم

يسعدني كرئيس للاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وكرئيس للجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية، الترحيب بكم جميعاً في هذا الملتقى الذي يعقده اتحاد المصارف العربية، وبلقائكم جميعاً، وخاصة الأخوة العرب، الذين حضروا اليوم للمشاركة، سواء كخبراء ومتحدثين في جلسات المنتدى، أو كحضور لفعالياته. هذا المنتدى الذي يتناول أهم مواضيع الساعة في بعض الدول العربية، ألا هو موضوع الإصلاحات الإقتصادية ودور صندوق النقد الدولي كممر إلزامي لإنجاحها.

وأتوجه بالشكر خاصة إلى دولة رئيس مجلس الوزراء اللبناني الرئيس نجيب ميقاتي لرعاية هذا المنتدى وتحمله المسؤولية الدقيقة في هذا الظرف بالذات للعبور بلبنان إلى مرحلة التعافي مع كل ما يتطلبه هذا الأمر من جهود مع المرجعيات الدولية وصندوق النقد الدولي والمجلس النيابي اللبناني والفرقاء السياسيين والاقتصاديين وناشطي المجتمع المدني ومجموعات الضغط المتعددة الأهداف والمشاريع.

والشكر موصول أيضاً إلى الخبراء الذين سينقلون إلينا خبرتهم وتجارب بلادهم في هذه الأيام التي تضرب فيها الأزمة الاقتصادية في معظم بلدان العالم. ويلعب فيها صندوق النقد الدولي دورا محوريا في الدعم. وبالفعل فقد ساهم صندوق النقد الدولي خلال السنة المالية 2022 في تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية العالمية عن طريق إقراض الاقتصادات المأزومة وفقاً لما يلي:

تمت الموافقة على صرف أكثر من 219 مليار دولار في هيئة قروض إلى 92 بلداً.

650 مليار دولار للبلدان التي تعاني من ضيق السيولة 

ساهم الإقراض من صندوق النقد الدولي، والتوزيع التاريخي لمخصصات حقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار في توفير السيولة للبلدان التي تعاني من ضيق السيولة بعد جائحة كورونا.

تم توزيع وحدات حقوق السحب الخاصة على كل البلدان الأعضاء، منها 275 مليار دولار من نصيب اقتصادات الأسواق الصاعدة والإقتصادات النامية.

لقد أوردنا هذه الأرقام لنشير إلى أهمية الدور الذي يلعبه الصندوق على صعيد الإقتصاد العالمي، والذي يرافقه أعمال تحقق من سلامة اقتصادات البلدان وتقديم المشورة الفنية لها بما يساعد هذه البلدان التي تنفذ برامج إصلاحية مع الصندوق على الولوج إلى مؤسسات التمويل الدولية الأخرى وكذلك إلى أسواق المال.

وفي العالم العربي، تواصل عدة دول عربية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لاعتماد إصلاحات إقتصادية والحصول على قروض ميسرة لاجتياز صعوباتها المالية، وتعبيد الطريق للحصول على تمويلات أخرى من جهات خارجية تربط تحركها بالحصول على ثقة الصندوق. وتأتي في عداد هذه الدول مصر، تونس، الأردن، السودان ولبنان. وتعاني هذه الدول أزمات اقتصادية عميقة ترافقها احتياجات تمويل ملحة، يجب أن ترافقها إصلاحات نقدية ومالية وضريبية، وإعادة هيكلة القطاع العام وضبط الإنفاق ولجم التضخم. 

تداعيات جائحة كورونا واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية

وقد جاءت تداعيات جائحة كورونا واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والركود الذي أصاب الاقتصادات العالمية إلى مضاعفة حدة الأزمة في البلدان العربية المذكورة، بحيث بدت الحاجة إلى تنفيذ برامج مع صندوق النقد أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. ويأتي لبنان اليوم في مقدمة الدول التي تسعى إلى تنفيذ برنامج تمويل من الصندوق ترافقه إصلاحات إقتصادية نأى عنها في السابق.

وفي الواقع، لم تكن مسيرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي سهلة، واليوم ستصبح أصعب مع وقوع لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي والإشتباك الدستوري الحاصل حول استمرار صلاحية المجلس النيابي في التشريع في ظل تحوله إلى هيئة انتخابية يقتصر نشاطها على انتخاب رئيس للجمهورية ليكتمل عقد السلطات الدستورية. يضاف إلى ذلك دقة المواضيع المطروحة على المجلس النيابي للتشريع بشأنها والتي تتضمن بنوداً لا سابق لها في لبنان كشطب الودائع، وتصفير الرساميل للمصارف، ووضع قيود على حركة الرساميل ، وإجراء مراجعة على النظام الضريبي.

ولم يكن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الخيار المرغوب في لبنان في أي يوم، لعدة إعتبارات تتمحور حول الحذر من الصندوق لأسباب متعددة لا مجال لتعدادها الآن، إلى أن حصل الانهيار المالي وتوقف لبنان عن دفع ديونه السيادية الخارجية وخروجه من أسواق المال العالمية وتعذّر عودته إليها دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي. كما أنه لا يمكن أن نفنّد هنا الصعوبات التي يواجهها تحرك الصندوق في لبنان ووصفاته التقليدية أو المستحدثة سواء كان منها في إلغاء السرية المصرفية، وطلب إعتماد قانون الكابيتال كونترول وتوحيد وتحرير سعر الصرف وضبط عجز الموازنة العامة وشطب الودائع وإعادة هيكلة المصارف وتصفير رساميلها. وتشكك جهات عديدة في لبنان في الكثير من صوابية بعض المعالجات والطروحات القاسية التي تضمنها خطة الصندوق. ونشير هنا إلى أن بعض الإصلاحات المطلوبة من الصندوق تعتبر بديهية، وكان يفترض حصولها بدون مداخلة من الصندوق كقانون الكابيتال كونترول الواجب حصوله عند بدء اندلاع الأزمة في عام 2020، أو إصلاح نظام الضرائب، أو ترشيد الإنفاق، أو خفض حجم القطاع العام، أو تجنب العجز في الموازنة العامة، أو مكافحة الفساد، أو تحرير سعر الصرف.

لقد وقّعت الحكومة اللبنانية اتفاق أولي على مستوى الموظفين مع الصندوق وتتطلب معظم بنود الاتفاق إقرارها بقوانين في المجلس النيابي، وهذا ما حصل حتى الآن بالنسبة لموضوع تعديل قانون السرية المصرفية وإصدار قانون الموازنة العامة لعام 2022، وما يجري مناقشته اليوم في المجلس النيابي بالنسبة لموضوع الكابيتال كونترول المطلوب من الصندوق إقراره، والذي تجري مقاربته بتردد لأنه يضع قيوداً على تحويل الرساميل في بلد طالما تغنّى بالحريات الإقتصادية وفي مقدمها حرية حركة الرساميل ضمن نظامه المصرفي.

وتدل مناقشات المجلس النيابي الحالية على وجود مواقف رافضة من معظم الكتل النيابية لما تضمنته خطة التعافي من شطب للودائع حيث تبدو معظم الاتجاهات النيابية لصالح الحفاظ على ودائع المودعين، صغارهم وكذلك كبارهم، وبينهم مؤسسات مصرفية عربية ومستثمرون ومودعون عرب أودعوا أموالاً لهم منذ عشرات السنين في المصارف اللبنانية وكذلك الأمر بالنسبة للمودعين اللبنانيين من مقيمين ومغتربين. إن سردية صندوق النقد لجهة اعتبار ديون الدولة خسائر وإعفائها من التزاماتها المالية تجاه البنك المركزي وشطب عشرات المليارات من الدولارات من الديون، ستترجم في النهاية شطباً للودائع، وهو ما يبدو مرفوضاً حتى الآن من المجلس النيابي حيث يطلق الكثير من النواب شعارات معاكسة تماماً لذلك، تلاقي تأييداً لدى جمعيات المودعين على مختلف انتماءاتهم، لعل أبلغها المناداة "بقدسية الودائع". ولكن ليس واضحاً حتى الآن كيف ستترجم هذه الشعارات على الصعيد العملي. كما أن دولة رئيس مجلس الوزراء الرئيس نجيب ميقاتي، الذي وضعت حكومته لبنان على طريق الإصلاح، تماشياً مع مطالب الصندوق، أبلغ المجلس النيابي بسعيه لمعالجة هذه الفجوة في خطة التعافي التي تلحظ شطب الودائع.

وإن صندوق النقد الدولي، لا بد له أن يتعامل مع هذه الحقيقة النيابية المبنية على وجود موانع دستورية وقانونية وسياسية تمنع على الدولة شطب الودائع.

كما أنه يجب عدم الاستخفاف بالأثار الإقتصادية والإجتماعية للشطب وكذلك انعكاساته على التعافي وعلى استعادة الثقة بلبنان وبقطاعه المصرفي، وهذا ما يعمل له إتحاد المصارف العربية والمؤسسات العربية الأخرى الناشطة في حقل الإستثمار. لذلك لا بد للدولة اللبنانية من تحمّل مسؤوليتها عن ديونها، وقيادة الحل من خلال خطة لإعادة الودائع تدريجيا من دون أي بيع لأصولها،

وكذلك التفاوض بحسن نية مع دائني اليوروبوند تمهيداً لاستعادة الشرعية المالية والعودة إلى الأسواق المالية الدولية. وإن الذين لا يجدون طريقة أخرى للتخلّص من الدين إلا عبر شطبه، يرفضون في الواقع إجراء إصلاح على المالية العامة توقف منافذ الهدر وتحسّن الإيرادات وتضع لبنان على طريق التعافي.

كما يجب أن لا نغفل أنّ جزءاً مهماً من أزمة لبنان يتطلّب حلاً بالسياسة وليس فقط بالإقتصاد، لذلك يقتضي أن تعود المؤسسات الدستورية إلى عملها ويجري انتخاب رئيس للجمهورية ويعود المجلس النيابي للتشريع من أجل تعزيز ثقة المجتمع الدولي والعربي بلبنان وبمؤسساته.

كما أن الثقة تعود بالإصغاء إلى توصيات أصحاب الخبرة الذين سيتناولون هذا الموضوع مسلحين بالعلم والمعرفة. إننا سنصغي بإمعان إلى تجارب الدول العربية الأخرى في إدارة علاقاتها مع صندوق النقد الدولي مع مقارنة الحلول المعتمدة في كل تلك البلدان التي سبقت لبنان في طريق الإصلاحات الإقتصادية، ذلك ما يسهل للبنان السير بالعلاقة مع صندوق النقد الدولي وإكمال تحقيق الإصلاحات المرجوة.

الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ممر ضروري للبنان

وبالخلاصة، إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ممر ضروري للبنان للعودة إلى الشرعية المالية الدولية. ويبدو الأمر سائراً في لبنان في هذا الاتجاه على ضوء مناقشات المجلس النيابي اللبناني الجارية بهذا الخصوص، وما سوف يقره من قوانين تحفظ المصالح اللبنانية العليا. وإننا في اتحاد المصارف العربية داعمون لهذه المسيرة.

وشكراً لإصغائكم.